ومن مجلة كلمتنا
تكتب سندس أحمد محمود
نص جنيه
كعادتي كل يوم وأنا عائدة إلى منزلي بعد يوم الدراسة الطويل، بحثت بعيني عن ميكروباص لأستقله إلى المنزل، وكالمعتاد فقد انتظرت قليلاً بسبب الزحام في هذه الساعة من النهار..
وأخيراً وجدته، وصعدت إليه بعد أن تنفست الصعداء، وكان أول مقعد صادفني يجلس عليه طفل صغير في حوالي الحادية عشرة من عمره.. مهلهل الملابس منتفش الشعر، متسخ البدن. وكان يحدق أمامه في الفضاء، بوجه خال من التعبير.. بارد النظرات فقلت له 'من فضلك.. أفسح لي قليلاً' لم ينظر إلىَّ، ولم يبد أنه سمعني، فقالت لي سيدة في الخلف: 'تعالي يا ابنتي واجلسي هنا بجواري فلن يجيب عليك!!'
جلست بجوارها وأنا مندهشة، ولكنني لم أفكر في الأمر كثيراً، وبعد قليل، أخرجت جنيهاً وأعطيته للولد الصغير أمامي وقلت له 'أعطه للسائق!' أخذه الصغير ببلادة ولم يعطه للسائق، قالت السيدة بهدوء'انتبهي فقد أخذ الجنيه واعتقد أنك أعطيته له'
تعجبت وقلت للصغير 'من فضلك أعطه للسائق' وبألية تامة أعطاه للسائق.. نظر السائق إليه برهبة ثم مد يده وأعطاني الباقي، دون أن يعطيه للصغير. لم أدر ماأثار شفقتي الشديدة على الصغير، ولكنني وبدون تفكير، أخذت نصف جنيه من الباقي، الذي أعطاني إياه السائق، وأعطيته للصغير وأنا أقول له بحنان وود ' خذه.. إنه من أجلك، اشتر به ماتريد'
وعلى الرغم من أنني توقعت أن تنفرج أساريره ويسعد، إلا أنه نظر إليه بلامبالاة وبرود، وفي تلك اللحظة اكتشفت أن جبهته بها جرح كبير وعميق، ومتسخ، وان وجهه يحمل العديد من الكدمات الزرقاء.
وبعد أن أخذ نصف الجنيه بقليل.. وجدت أوراقاً صغيرة تتطاير بجواري من النافذة، ولم ألق لها بالاً، ولكن السيدة التي بجواري قالت بانزعاج: 'ياإلهي لقد مزق نصف الجنيه وألقاه من النافذة، ليتك ماأعطيته شيئاً!'
وعندما نظرت إليه لأسأله.. كانت عيناه تحمل دموعاً ومرارة وحزناً وأسى، وهو يحملق في الفضاء الممتد أمامه.